تروي الكاتبة كاتيا أدويزي قصص أطفال ومعلمين من غزة يعيشون عامهم الثالث بلا تعليم رسمي، بعد أن دمرت إسرائيل 97% من المدارس في القطاع، تاركة أكثر من 600 ألف طفل خارج الفصول. وسط الركام والمخيمات، تتجسد المأساة الكبرى في ضياع التعليم، الذي يراه كثيرون “فقدانًا للمستقبل نفسه”.

وفق ما نشرته الجارديان، تعيش الطفلة جُويرية عدوان، البالغة 12 عامًا من خانيونس، في خيمة مع أسرتها بعد أن دُمّرت مدرستها “خولة بنت الأزور” في الأيام الأولى للحرب. تصف جُويرية حنينها لأصوات الطباشير وضحكات زملائها، وتتذكر كيف دوّى الإنذار الأخير في 7 أكتوبر، حين تحولت آخر حصة إلى لحظة فزع وبداية حياة اللجوء. تقول: “كتبي احترقت، وأصدقائي ماتوا، ومدينتي الجميلة رفح صارت رمادًا.” رغم كل ذلك، تواصل الدراسة في خيمة صغيرة يديرها متطوعون، وتكتب على ورق ممزق بقلم مكسور لأنها تؤمن أن “التعليم هو الحياة”. تحلم بأن تصبح صحفية “لتُسمِع العالم أصوات الأطفال الذين لم يفقدوا شجاعتهم رغم الحصار والدخان.”

في مخيم البريج، تواصل المعلمة نجلاء وشاح (40 عامًا) مهمتها بعد أكثر من عشر سنوات في التعليم. كانت تدرّس 240 طالبًا قبل أن تُحوَّل مدرستها إلى مأوى للنازحين، ثم تُقصف بالكامل. تقول نجلاء: "مدرستي كانت مكانًا للضحك والفضول. كنا نحول التاريخ إلى مسرحيات والخرائط إلى لوحات فنية، لكن اليوم لم يبق شيء"” فقدت نجلاء عشرات الطلاب الذين كانوا يحلمون بأن يصبحوا أطباء ومعلمين، وتواصل الآن التدريس في خيام وملاجئ مزدحمة، متصلة ببعض طلابها عبر الإنترنت عندما تسمح الكهرباء. تشرح أن التعليم صار “فعل مقاومة”، إذ يرمز إلى بقاء الوعي رغم الدمار. وتضيف: “سأواصل التدريس وسط الركام والظلام لأن المعرفة هي الأمل الوحيد الباقي.”

أما سارة الشريف، ذات التسعة أعوام من غزة، فتعيش في مأوى بعد أن قُصف منزلها ومدرستها في اليوم نفسه. تقول إنها كانت تدرس الرياضيات حين دوّى الانفجار الأول، ومنذ ذلك الحين “لم يعد هناك فصل دراسي، ولا مقعد، ولا معلمة.” فقدت سارة معلمتها التي أحبتها، وتقول إن النوم صار مرعبًا لأنها تسمع أصوات الطائرات حتى في أحلامها. تحاول مراجعة دروسها القديمة، لكن كتبها تُستخدم الآن لإشعال النار للطهي. تعترف بأن ذهنها “تعب من التفكير” لكنها ما زالت تحلم بأن تصير طبيبة، رغم أن “الحرب بنت جدرانًا داخل العقل.” تتمنى أن يرى العالم أطفال غزة “كأشخاص يريدون التعلم لا كأرقام في نشرات الأخبار.”

ومن القاهرة، يتحدث الطفل إسماعيل منيفة، البالغ سبع سنوات، عن رحلته الطويلة من مخيم المغازي إلى مصر بعد أن قُصف منزله ومدرسته. يصف حنينه لرياض الأطفال في غزة، حيث كانت الجدران ملوّنة والكتب كثيرة، وحيث تعلم الحروف وكان ينتظر أن يكتب قصصه الخاصة. يقول: “هربنا ليلاً، وتركنا كل شيء، حتى ألواني المفضلة. رأيت صديقي إيزو ميتًا في الشارع.” بعد رحلة شاقة إلى الحدود، وصل إلى القاهرة مع أسرته، لكن الحياة هناك لم تكن سهلة. لا يذهب إلى مدرسة رسمية، وينتظر الالتحاق بمدرسة صغيرة غير معترف بها للاجئين السوريين. ومع ذلك، يبتسم وهو يقول: “سأعود للتعلم ولو ساعة في اليوم. لأول مرة منذ عامين أشعر بالأمل.”

تجمع شهادات هؤلاء الأطفال والمعلمين ملامح جيل حُرم من التعليم لكنه لم يفقد الرغبة في التعلم. وسط عالم يعتاد أرقام القتلى والدمار، تذكّر قصصهم بأن الكارثة الكبرى ليست فقط في المباني المهدمة، بل في العقول التي تُحرم من النمو. تقول نجلاء وشاح: “حين تُغلق المدارس، تُغلق نوافذ المستقبل.”

تؤكد الكاتبة أن التعليم في غزة صار خط الدفاع الأخير عن الإنسانية، وأن استمراره رغم القصف يمثل تحديًا للواقع المفروض. فالأطفال الذين يكتبون على الأرض بالعصي، والمعلمون الذين يشرحون في الخيام، يعيدون تعريف معنى الصمود. في النهاية، تكتب جُويرية: “غزة ليست فقط دمارًا، بل أطفال يواصلون الحلم تحت الطائرات. نريد كتبًا ومدارس لا شفقة. لأن التعليم ليس رفاهية، بل حق في البقاء.”
https://www.theguardian.com/global-development/2025/oct/19/education-gaza-children-teachers-two-years-without-school